شارع بهاء الدين قراقوش
الاسم | بهاء الدين قراقوش بن عبد الله الأسدي |
اسم الشهرة | قراقوش |
مولده ونشأته:
في واقع الأمر أننا لا نعلم شيئًا ذا أهمية عن نشأة بهاء الدين قراقوش الأولى، حتى أن كتاب التاريخ يختلفون في أصله؛ فهل كان صقلبيًّا (تعود أصوله إلى شرق أوروبا) أو تركيًا أو روميًّا (يونانيًا)؟
ولكن الأرجح أنه من أصول تركية، ولد وعاش طفولته في ناحية من نواحي آسيا الصغرى، وقد خُطف من عشيرته وبيع كعبد في أسواق بلاد الشام في بدايات القرن السادس الهجري، وذلك بعد أن تم إخصاؤه، كما جرت العادة مع الكثير من العبيد البيض الذين تم تجنيدهم في ذلك العصر.
قراقوش في خدمة شيركوه:
قام بشراء قراقوش الأمير “أسد الدين شيركوه بن شادي”، والذي كان أحد قادة جيش حاكم الموصل وحلب “عماد الدين زنكي”، حامل راية الجهاد ضد الصليبيين في ذلك الوقت. وقد عرف قراقوش منذ تلك اللحظة، باسم “بهاء الدين قراقوش بن عبد الله الأسدي”.
فاسم “بهاء الدين” عبارة عن لقب، وأصل اسمه “قراقوش” هو “قرة قوش”، والذي يعني بالتركية “النسر الأسود”، وهي تبدو تسمية غريبة، بالنظر لأنه لم يكن أسمر البشرة. وتسميته بابن عبد الله، كانت متسقة مع العادات والأعراف الاجتماعية في ذلك الوقت، والتي كانت تسمي كل من لا يعرف له أبًا مسلمًا بابن عبد الله، كما أن لقبه الأسدي نسبة سيده إلى الأمير أسد الدين شيركوه.
وقد لمع قراقوش في خدمة شيركوه، وبرع في فنون القتال، وأظهر ولاءً فارتفع نجمه لدى سيده، فأعتقه، وجعله من خاصة رجاله المقدمين عنده.
وتوطدت العلاقة بينه وبين سيده شيركوه، فاصطحبه معه أثناء الحملة العسكرية على مصر في ستينيات القرن السادس الهجري، وهي الحملة التي أسفرت عن تنصيب شيركوه في منصب الوزارة بأمر من الخليفة الفاطمي “العاضد بأمر الله”.
قراقوش في خدمة صلاح الدين الأيوبي:
لم يلبث أن توفي شيركوه فجأة، وتم تنصيب ابن أخيه “صلاح الدين” في منصب الوزارة بدلاً منه، فانتقل ولاء قراقوش للوزير الجديد، وصار أحد أهم أعوانه ومن أقرب المقربين له، إذ عُيّن قراقوش في منصب متولي القصر الفاطمي، وصار عين صلاح الدين على الخليفة وأهل بيته.
وعندما قام صلاح الدين بإسقاط الخلافة الفاطمية في عام 567ه، وأعاد مصر إلى حظيرة الخلافة العباسية، كلف قراقوش بمجموعة من المهام، منها التحفظ على أفراد البيت الفاطمي، هذا بالإضافة إلى أنه قام بحصر كنوز الفاطميين النفيسة ونقلها من قصورهم، وتخلص من آلاف الكتب الموجودة في مكتباتهم، والتي كانت تدعو إلى المذهب الشيعي الإسماعيلي.
أهم أعمال قراقوش:
ومع استقرار الأمور في مصر، واستتباب السلطة بمصر لصلاح الدين الأيوبي، تفرغ قراقوش لتنفيذ مجموعة من المشاريع العمرانية المهمة، ومن أهمها بناء سور حول القاهرة، وتشييد قلعة الجبل لتصبح مركزًا للدفاع عن العاصمة، هذا بالإضافة إلى بعض المشروعات ذات الأثر الاقتصادي المهم، ومنها بناء قناطر الجيزة.
ولم يكتفي قراقوش بالتفوق في المضمار المعماري فحسب، بل إنه مارس كذلك العمل الإداري وشؤون السلطة كنائب لصلاح الدين في حكم مصر في الأوقات التي كان يخرج فيها لقتال الصليبيين في بلاد الشام، ومن جهة أخرى، قاد بهاء الدين بعض الحملات العسكرية المهمة، ومنها حملته في 571ه، على برقة الواقعة غربي مصر، والتي تمكن فيها من التوغل داخل البلاد الليبية، وتوسيع رقعة الدولة الأيوبية.
ونظرًا لكفاءة قراقوش ومهاراته المتعددة، قام صلاح الدين بتعيينه واليًا على عكا، بعد استخلاصها من يد الصليبيين، وقام حينها قراقوش بتحصين المدينة وتقوية أسوارها، غير أن ذلك لم يمنع من سقوطها بيد قوات الحملة الصليبية الثالثة، ووقع قراقوش نفسه في الأسر، إلى أن تم إطلاق سراحه في 588ه، بعدما دفع صلاح الدين الفدية. ففرح به السلطان فرحًا شديدًا، وكان له حقوق كثيرة على السطان وعلى الإسلام والمسلمين، واستأذن في المسير إلى دمشق ليحصل مال إقطاعه فأذن له.
وفاء قراقوش لصلاح الدين:
ولما توفي صلاح الدين الأيوبي، ظل قراقوش على وفائه مع ابنه العزيز، يحمي عرش مصر والشام، ثم كان وصيًّا على عرش المنصور، ومارس كل مهام السلطنة في بهذه الصفة، إلى أن أعفاه منها الملك العادل شقيق صلاح الدين.
وفاته:
بعد اعفاء قراقوش من جميع مهامه ومناصبه، لزم بيته حتى توفي في عام 597هـ/ 1201م.
قراقوش في الثقافة الشعبية المصرية:
في البحث عن أسباب انتشار الصورة البلهاء لقراقوش في الثقافة المصرية الشعبية، يرى الباحثون أنها تتماشى مع العادة المصرية الأصيلة في توجيه سهام السخرية والفكاهة لحكام مصر، وهي عادة اجتماعية تنامت على مر العصور، ولم تتوقف حتى اليوم.
بُنيت السيرة الشعبية لقراقوش على ثلاثة من الكتب الشهيرة التي كتبت في أوقات مختلفة، والتي شاعت بين العامة، حتى استطاعت أن تغير بشكل كامل من الصورة التاريخية الإيجابية لقراقوش.
أول تلك الكتب، هو “الفاشوش في حكم قراقوش” للكاتب القبطي الأسعد بن مماتي، وكان ابن مماتي ناظر ديوان الجيش وديوان المالية، ومن بين كبار رجال الدولة في عهد صلاح الدين الأيوبي، أما الكتاب الثاني، فهو “الفاشوش في أحكام وحكايات قراقوش” لجلال الدين السيوطي، والكتاب الثالث هو “الطراز المنقوش في حكم السلطان قراقوش” لمؤلف مجهول لا نعرف شيئاً عنه.
كلمة الفاشوش، التي استخدمها كل من ابن مماتي والسيوطي لعنونة كتابيهما عن قراقوش، تعني “ضعف الرأي والعزم”، وهو المعنى الذي يتفق تمامًا مع محتوى الكتابين، الذي يرسم صورة في غاية البلاهة والغباء لقراقوش.
الكتب الثلاثة احتوت على ما يقرب من ثلاث وعشرين حكاية عن قراقوش وأحكامه وتصرفاته المثيرة للسخرية والتعجب. تلك القصص والنوادر سرعان ما انتشرت وتواترت في الثقافة الشعبية المصرية.
أسباب انتشار الصورة السلبية لقراقوش:
هناك عدد من التفسيرات التي عملت على شرح أسباب ظهور الصورة السلبية لقراقوش وانتشارها في الثقافة المصرية الشعبية.
أول تلك التفسيرات، أن تلك السيرة المُتخيلة كانت معتمدة بالأساس على وقائع تاريخية حقيقة، وأن كلاً من ابن مماتي والسيوطي قد نقلا تلك الوقائع بلا مبالغة أو تزييف.
مع ذلك، فإن مزاعم ابن مماتي والسيوطي يمكن دحضها ورفضها اعتماداً على أقوال العديد من المؤرخين الذين أكدوا على فطنة ونباهة قراقوش، ومن هؤلاء ابن خلكان في “وفيات الأعيان”، وابن العماد الحنبلي في كتابه” شذرات الذهب”، واللذان بنيا دفاعهما عن قراقوش على ثقة صلاح الدين فيه وتوليته إياه الكثير من الوظائف الكبرى في الدولة، والتي يستحيل أن يتولاها مغفل أو غبي.
أما ثاني التفسيرات، فهو ذلك الذي يرى أن ابن مماتي وجلال الدين السيوطي، هما اللذان تجنيا على قراقوش وشنعا عليه، وأنهما على وجه الخصوص يتحملان مسؤولية تشويه صورة الوزير الأيوبي صاحب المجهودات العمرانية والإدارية العظيمة.
ذلك الرأي يذهب إلى أن لكل من المؤرخين أسبابه الوجيهة في لصق تلك التهم بقراقوش، فبالنسبة لابن مماتي، فقد كان يشعر بالتنافس والحسد مع قراقوش، لأن كليهما كان من كبار رجال الدولة الأيوبية، وكان بينهما تسابق على نيل الحظوة والمكانة عند السلطان صلاح الدين، أما السيوطي، فقد كان يعبر عن شعور المصريين المتزايد بالحنق والسخط والغضب من المماليك الأتراك الذين كانوا ينتهبون ثرواتهم ويتعسفون في معاملتهم، ومن ثم كانت السخرية من قراقوش التركي والتندر عليه، تحمل إسقاطات سياسية اجتماعية تؤكد على إحساس المصريين بالظلم.
وهناك من يرى أن ما أشيع عن حكم قراقوش وظلمه، كان بمثابة تضخيم لما عُرف عنه من صرامة وحزم في جمع العمال المصريين وتشغيلهم في سبيل بناء المشروعات العمرانية الضخمة التي أُقيمت في عهده، خصوصاً أن معظم تلك المشروعات قد تم تنفيذها بطريق السخرة، وكان الكثير من العمال يهلكون من شدة الإنهاك وسوء التغذية.
كما يرى البعض أن ابن مماتي لم يكن يستهدف بهاء الدين قراقوش تحديدًا بما كتبه، ولكنه كان يقصد الإشارة إلى العيوب ومواطن الخلل في النظام الإداري بالدولة، ولما كان قراقوش يترأس هذا النظام، بحكم نيابته لصلاح الدين في أوقات كثيرة، فقد تم تصويره في الكتاب مسؤولاً عن الكثير من المساوئ، مثل الرشوة والغضب والمحسوبية والغباء والتعنت، وكان الهدف الحقيقي من وراء كل ذلك، هو إصلاح تلك المفاسد والحد من انتشارها.
البوم الصور
موقع اللوحة بالشارع
المصادر والمراجع
- ابن خلكان، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق/ إحسان عباس، ج1، بيروت، 1994. ص44.
- جمال الدين الرمادي، صلاح الدين الأيوبي، القاهرة: مطبعة الشعب، 1958.
- عبد اللطيف حمزة، حكم قراقوش، كتاب الهلال 374، القاهرة: دار الهلال، 1982.
- محمد علي محيي الدين، قراقوش بين الواقع والأسطورة، نشر بجريدة المدى، 25 أبريل 2009.
- نظمي خليل أبو العطا، قراقوش وتشويه تاريخ عظماء الأمة، جريدة أخبار الخليج، العدد 9835، بتاريخ 25 فبراير 2005.