شارع كفافيس

الاسم

قسطنطين بتروس فوتياديس كفافيس

اسم الشهرة

كفافيس

تاريخ طويل وحضارة عظيمة تمتع مصر واليونان، خصائص سهلت العلاقة بين الشعبين البلدين وجعلتها وطيدة ومتشابكة، فالجاليات اليونانية في مصر تعتبرها وطنها الثاني. وهناك نماذج كثيرة ليونانيين لمعوا في سماء الفن المصري والعالمي، لعل أبرزهم قسطنطين كفافيس أحد أعظم شعراء اليونان المعاصرين، وهو مصري يوناني، اعتمد في شعره على التلاقي المشترك بين اليونان الكلاسيكية، والشرق الأوسط القديم، والأدب السكندري.

مولده ونشأته:

ولد الشاعر “قسطنطين بتروس فوتياديس كفافيس”، الذي اشتهر باسم كفافيس، بأحد منازل شارع شريف بالإسكندرية في 29 إبريل عام 1863. وكان والداه “بتروس، و”خاريكليا” أو “هاركليا” المنحدران من عائلة “فوتياديس” قد هاجرا من إسطنبول إلى الإسكندرية. وجدير بالذكر أن كلمة “كفافي” تعود إلى أصل تركي ومعناها “الإسكافي”، أي صانع الأحذية.

وكان والد كفافيس تاجرًا كبيرًا بالغ الثراء، ويقال إنه أول من أدخل صناعة حلج القطن في مصر، وكان له مصنعان في “كفر الزيات”، ومتاجر في “منيا البصل”، ومكتب حاصلات زراعية في “زيزينيا” بالإسكندرية، ومكتب آخر في “الموسكي” بالقاهرة.

وكان صديقًا للخديو “إسماعيل”، الذي أهداه “الوسام المجيدي” في افتتاح قناة السويس، كما كان الخديو “سعيد” أيضًا صديقًا لهذه العائلة اليونانية. ويقال إنه كان ينفق أربعة آلاف جنيه في العام، وذلك في القرن التاسع عشر.

وقد أنجب والد كفافيس من الأبناء تسعة أصغرهم كفافيس الشاعر، وكان لكفافيس أخوان يمارسان الرسم كهواية، وآخر إخوته كان يهوى الموسيقى، وهو ما قد يوضح أسباب ميول كفافيس الفنية.

ولم تكن صلة كفافيس بأبيه كبيرة، ولم يكن الأب يكترث بصغيره كثيرًا؛ فقد ولد له بعد ثمانية من الأولاد شبع من تدليلهم، وكان الأب في سنواته الأخيرة غارقًا في مشاكله منصرفًا إلى تدبير أمور معاشه، فبعد أن كان قد جنى ثروة كبيرة من أعماله التجارية تدهورت أحواله المالية في أخريات أيامه فمات تحت وطأة الحسرة، ولم يترك لأسرته ثروة تذكر.

كان كل من الأب والأم زوجين متحابين متفاهمين، انحدرت الأم من أسرة يونانية ثرية، وكان الأب إلى جانب ثقافته بارعًا في شئون التجارة والمال، نزح إلى الإسكندرية عام 1845 في الثلاثين من عمره، واستقر بها يمارس تجارة المنسوجات والأقمشة التي كان يستوردها من أخيه بإنجلترا، ثم اشتغل أيضا بتجارة الحبوب والمحاصيل، وأنشأ كثيرًا من محالج القطن، وامتلأت حياته بالأعمال والمشروعات والصفقات، وحقق من كل ذلك ثروة كبيرة، وفي عام 1848 عاد إلى أسرته بالآستانة وتزوج.

الأم كانت ابنة لتاجر ماس تزوجت الأب وهي في سن الرابعة عشرة، وقد ظل كفافيس يحتفظ بذكرى أمه على الدوام في أعماقه، كانت امرأة جميلة أنيقة، وكان كفافيس يهيم بها حبًا، ولم تستطع امرأة أو فتاة أن تصل لمكانة أمه في نظره من ناحية الجمال وغيرها، وكانت الأم تبادله الحب، وإلى جانب هذا كانت امرأة ولودًا، أنجبت تسعة أبناء في أقل من خمسة عشر عامًا.

وحينما بلغ كفافيس السابعة من عمره توفي والده في 10 أغسطس 1870، عن خمسة وخمسين عامًا، ودفن بمدافن الأسرة في الشاطبي.

وكانت أمه في السادسة والثلاثين حين مات زوجها، ولم تنجب الأم غير ابنة واحدة هي أخته “هيلليني”، التي لم تعش طويلًا، وجاء هو في أعقابها، ومن ثم كان بالنسبة لأمه آخر العنقود وكما يقولون لم ينعم طفل بحنان أمه قدر ما نعم كفافيس، الذي شب خجولاً منطويًا لا يعتمد على نفسه في شيء، تسارع أمه إلى تلبية طلباته، وتحشد الخدم لخدمته، وقد تعلم القراءة والكتابة في المنزل، وكانت له مربية ومدرس خاصان يقيمان في بيتهم بشارع شريف.

وقد ظل كفافيس حبيس البيت يحيا حياة الترف حتى السادسة عشرة من عمره، على أنه لم يكن يريد التحرر من نفوذ أمه، فلم يكن يطيق الابتعاد عنها. وقد التحق الفتى الخجول كفافيس ذو الستة عشر ربيعًا بالمدرسة التجارية بالإسكندرية، التي التقى فيها بشخصية أثرت فيه كثيرًا. ناظر المدرسة “قسطنطين بابازي”، وكان حاصلاً على درجة الدكتوراه في التاريخ والفلسفة من الجامعات الألمانية وكان صارمًا، ولا يمل الإشادة بالبطولات اليونانية عبر التاريخ.

ولم يحصل كفافيس على شهادة جامعية، ولم ينتظم في تعليمه لكنه استكمله بنفسه فيما بعد من خلال قراءاته الخاصة، وكان كفافيس يجيد إلى جانب لغته اليونانية، الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، واهتم في دراساته بالتاريخ اليوناني والكلاسيكيات والأدب الأوروبي بوجه عام.

أما عن أسفاره فقد أمضى بعض سنوات طفولته في إنجلترا، كذلك أمضى عامين من سنوات شبابه في “إستانبول”، وزار فرنسا، لكنه لم يزر “أثنيا” إلا لفترة زمنية قصيرة بين عامي 1900 و1901، وكان ذلك للمرة الأولى في حياته، أي عندما كان في حوالي السابعة والثلاثين من عمره.

وقد رأى كفافيس في صباه غزو الإنجليز الغادر للإسكندرية وقذفها بالقنابل عام 1882؛ فكان على خلاف كثير من أجانب ذلك العهد، تألم لضرب مدينته العريقة، ولم تطاوعه نفسه، عندما شب عن الطوق، على الهجرة من الإسكندرية الحبيبة رغم الدعوات التي وُجِّهت إليه للإقامة في أثنيا.

واضطر للسفر مع أمه وأسرته إلى الآستانة بعد الاعتداء على الإسكندرية، وأقاموا عند جده، ثم عاد عام 1885. وكانت آخر أسفاره عام 1932، عندما مرض بسرطان في الحنجرة، وسافر إلى اليونان للعلاج ثم أصر على العودة إلى الإسكندرية، ولكنه كان قد فقد القدرة على الكلام.

وظائف كفافيس:

استطاع كفافيس الحصول على وظيفة متواضعة في وزارة الري بمكتبها بالإسكندرية في عام 1889، وتدرَّج في سلم الوظيفة، فأصبح في إبريل 1892 كاتبًا بمرتب قدره سبعة جنيهات، ثم بلغ مرتبه أربعة وعشرين جنيهًا في يناير عام 1913.

ويذكر كفافيس أنه: “ما أكثر ما يهبط علىّ خاطر جميل أو صورة نادرة، أو أبيات من الشعر جاهزة ومفاجئة، ولكنني أضطر إلى ترك هذا كله؛ لأن عملي في وظيفتي لا يحتمل التأجيل، ثم أعود إلى البيت وأستريح قليلاً وأحاول أن أتذكر هذه الخواطر الجميلة فإذا بها قد ضاعت وتبددت، ومن حقها أن تفعل ذلك، فالفن ليس خادمًا لك تطرده عندما يأتيك وتكون مشغولاً عنه، ثم يستجيب لدعوتك ويعود إليك عندما تريد ذلك وتطلبه”.

وفي شهر أبريل 1922 استقال من عمله وخلد إلى العزلة، فقد ماتت أمه عام 1899، وفارق من بعدها إخوته وأحباءه وأحس بالوحشة، لكنه ظل ملتصقًا بمدينته لا يغادرها رغم الدعوات الكثيرة التي وجهت إليه من الأوساط الأدبية في أثينا.

لم يكن كفافيس يحب ثرثرة الناس، ولا العقول الجوفاء؛ لهذا كان يعتكف في صومعته خافتة الضوء، إذا زاره ضيف يحبه أضاء له شمعة ثانية، فإذا ضاق بالضيف أطفأ الشمعة إيذانًا بانفضاض الجلسة.

بدايته الشعرية وانطلاقه:

بدأ كفافيس نظم الشعر منذ فترة مبكرة، ربما بعد عودته من الآستانة عام 1885 وعلى وجه التحديد عام 1886، ونشرت أول قصيدة له عام 1891 في مجلة اسمها “المساء ESPEROS” ، ومنذ ذلك التاريخ وحتى نهاية حياته لم يتوقف عن تأليف الشعر، وكتابة المقالات والملحوظات النقدية والدراسات المتنوعة في المجلات والدوريات التي كانت تصدر في الإسكندرية، وإستانبول، وأثينا، وغيرها من العواصم الأوروبية.

وكان أول ناقد يقدمه إلى القراء في أثينا هو عضو الأكاديمية “جريجوريوس كسينوبولوس”، وذلك في مجلة “باناثينا” في 40 نوفمبر 1903. كما أشار إلى عبقرية كفافيس الناقد الإنجليزي “فورستر”، الذي كتب عنه عام 1919: “إن كفافيس بالغ القوة وبالغ العظمة، وهو واحد من البارزين في الحركة الفكرية والثقافية”.

وفي الواقع أن كفافيس استمد موضوعات قصائده من التاريخ بعصوره المختلفة، وبخاصة من تاريخ الإسكندرية في العصر الهيللينستي، وتاريخ العصور البيزنطية، وتاريخ العصر الكلاسيكي القديم لحضارة اليونان، كما أنه استمد كثيرًا من موضوعات قصائد من الحياة المعاصرة ومن وقائع حياته الشخصية.

وإلى جانب ما نشره كفافيس في المجلات والدوريات، وما أصدره بنفسه في كتيب عام 1904 يحتوي على 14 قصيدة أعاد نشرها من جديد عام 1910 مع سبع قصائد أخرى، كان ينشر عادة قصائده متفرقة بعد أن يتم نسخها على وريقات توزع باليد على مريديه ومحبيه، ومن أجل هذا السبب بالتحديد يصعب أن نجد قصائده محفوظة بذات العنوان أو الصورة من التأليف، إذ كان يقوم بتعديلها أو تقييمها كل فترة، أو يقوم بطبعها ثم نشرها مرة أخرى.

وفاته:

بعد أن أمضى كفافيس حوالي ثلاثين عامًا في الإسكندرية، سافر إلى أثينا لأنه أصيب بمرض السرطان في الحنجرة، وخضع للعلاج فترة، ثم رجع إلى الإسكندرية، لكن حالته ازدادت سوءًا فدخل مستشفى الجالية اليونانية بالإسكندرية. وفي 29 إبريل 1933 فاضت روحه إلى بارئها، عن عمر يناهز سبعة وسبعين عامًا.

وقد تحول بيت كفافيس في الإسكندرية، الذي يقع خلف مسرح سيد درويش في محطة الرمل لمتحف، كان قبلها فندقًا يسمى “بنسيون أمير”، واشترته القنصلية اليونانية في الإسكندرية وحولته لمتحف عام 1991.

ديوان كفافيس:

كانت أول طبعة كاملة من قصائده، هي الطبعة التي أصدرتها مجلة “الفن السكندري Alexandrine Techne” عام 1935، وهي مجلة بدأت في الانتشار بفضل توجيهاته منذ عام 1926، وهو العام الذي حصل فيه كفافيس على وسام “النخلة الذهبية” من حكومة “البنغال”.

ويتألف ديوان كفافيس، إذا استثنينا الأشعار التي ألفها في مطلع شبابه، من حوالي 154 قصيدة، بالإضافة إلى عدد ما يقرب من عشرين قصيدة أخرى لم تكن منسوبة إليه، وأعيد نشرها بعد وفاته على يد عدد من النقاد والباحثين.

البوم الصور

موقع اللوحة بالشارع

المصادر والمراجع

  • جمال الشرقاوي، في ذكراه تعرف على أبرز المحطات في حياة قسطنطين كفافيس، موقع صدى البلد، 29 أبريل 2020، رابط الإتاحة: https://www.elbalad.news/4299395
  • حمدي إبراهيم، قصائد قسطنطين كفافيس، القاهرة: أطلس، 1992.
  • رجاء النقاش، الأهرام اليومي، مقالة بعنوان “الإسكندراني الجميل” بتاريخ 13 نوفمبر 1995.
  • محمد أبو ليلة، قسطنطين كفاكيس: حصل على دبلوم تجارة من مصر وأصبح أشهر شعراء اليونان، موقع صدى البلد، 30 أبريل 2019، رابط الإتاحة: https://www.elbalad.news/3808829
  • نعيم عطية، ديوان كفافيس، شاعر الإسكندرية، دار سعاد الصباح، ط1، 1993.
  • وسام الدويك، كفافيس: الشاعر يقتله السكوت، موقع إسلام أون لاين، 23 يناير 2020، رابط الإتاحة: https://islamonline.net/33252