عبد الحميد الديب
الاسم | عبد الحميد الديب |
اسم الشهرة | عبد الحميد الديب |
مولده ونشأته
ولد الشاعر “عبد الحميد الديب” في يوليو 1898، بقرية “كمشيش” بمحافظ المنوفية. في أسرة متواضعة الحال حيث كان والده تاجر ماشية ولحوم كان أغلب نشاطه في المواسم والأعياد، نظرًا لطبيعة الوضع الاقتصادي للقرى المصرية في ذلك الحين. وتسهب الروايات في وصف فقر الديب وعائلته، فتذكر مثلا أنه كان يرتدي الثياب الرثة، حتى في الأعياد ومواسم الفرح شأنه في ذلك شأن كثير من الأسر في القرى المعدمة والفقيرة.
ألحقه والده بالكُتّاب في قريته ليحفظ القرآن الكريم، ثم أرسله إلى معهد الإسكندرية الديني في عام 1914، ليواصل تعليمه الأزهري، فانفتحت بذلك أمامهُ آفاق ٌجديدة من الإدراك والوعي بالجمال والمباني والناس والثقافات المختلفة.
بعد أن فرغ الديب من دراسته بمعهد الإسكندرية والتي تؤهله للالتحاق بالأزهر الشريف، سلك طريقه إلى القاهرة عام 1920م، ليحقق حلمَ والده بأن يصبح صاحب عمود في أروقة الأزهر، إلا أنه لم يستسغ العلوم الأزهرية نظرًا لطبيعة نفسه الميالة إلى الأدب والشعر، فانضم إلى مدرسة “دار العلوم”، ليس لموافقة علومها لهوى نفسه فقط، وإنما لأنه علم بأنها تمنح طلابها مكافأة شهرية لإعانتهم على نفقات معيشتهم ودراستهم.
تمضي الأيامُ بالديب في دار العلوم في نوع من الاستقرار المادي أتاح لهُ النبوغ في الشعر، حتى أصبح الشاعر المرموق المحبوب بين أقرانه، والأثير لدى أساتذته، حتى أتاه خبر وفاة والده ثم والدته تباعًا وهو في القاهرة، فيشعر بالضياع وعبثية الحياة، ويسيطر عليه الاعتقاد بأنه لا جدوى من أي جهد أو طموح فيها، ويعود إلى كآبته وتهويله للأحزان والحرمان، ويترك نفسه فريسة للحزن، مُهملاً نفسه ودراسته التي كانت من عوامل استقراره النفسي يومًا. وانكبّ الديب يرثي والديه بشِعر كثير يعدد فيه مناقبهما ويتذكر حنانهما.
كان به ميل إلى حياة التصعلك والضياع، فلم يحتفظ لنفسه بعمل ولم يحرص على مصدر للرزق، بقدر ما أدمن التجول في مقاهي القاهرة وشوارعها، وتعوّد الاتكاء على أصدقائه في تدبير معايشه.
الديب على خطى الصعاليك
ونظرًا لطبيعة عبد الحميد الديب غير الراضية ونمط شخصيته غير المُطمَئن على الدوام؛ انصرف عن دراسته في دار العلوم شيئًا فشيئًا، ليعود من جديد إلى حياة التسكع بين المقاهي والملاهي الرخيصة، وجلسات الأدباء والصعاليك. تدركهُ النجدة، فيلتقي بالموسيقار “سيد درويش” في مطلع عام 1923م، ويرى فيه درويش كنزًا شعريًا ثمينًـا سينظم له المطلوب من القصائد والأغنيات، بينما يجدُ الديب في درويش ضالتهُ التي ينشدها من رخاء العيش، لا سيما وأن درويش كان ممن يُغدقون على مَن حولهم.
لعل هذه هي الفترة الوحيدة التي يكاد المرء يلمس بها في شعر الديب بارقة من السرور والنظم في أغراض أخرى غير التشاؤم والاعتراض على القدر، وهجاء الغير، ورثاء النفس. وكعادةِ الدنيا لا تصفو لأحدٍ، فقد وافت المنية سيد درويش في 1923م، وكانت صدمة كبيرة للديب، فما كادت أحلامُه تتحقق حتى دُفنت مع صديقه تحت التراب. ويعود الديب مرة أخرى إلى الهيام على وجهه في الطرقات وبين المقاهي والحانات يعاني الجوع والتشرد.
عمل الديب مصححًا لغويًا في إحدى المجلات بأجر زهيد، ورقّ له قلب وزير محب للأدب فعينه في وظيفة (على أدنى درجات التوظف: التاسعة) بوزارة الشؤون الاجتماعية، وكان ذلك في أواخر عام 1942، فلم يذق جدوى الوظيفة غير أشهر قلائل.
وكان يعرض موهبته (الشعرية) لخدمة من يؤجره من رجال الأحزاب المتناحرة، فبدأ بحزب «الوفد»، ثم انتقل إلى حزب «مصر الفتاة» فاتخذ منه الحزب بوقًا يدافع عن مبادئه ويروّج له، في مقابل توفير المأوى له، غير أن الحزب نبذه وقطع المعونة عنه لما رأى من تقلبه.ونتيجة طبيعية لحياةٍ مثل هذه، فقد سقط الديب في دوامة الإدمان التي أودت بهِ إلى مستشفى الأمراض العقلية، وإلى السجن الذي تكرر وُفوده عليه بتهم أخرى منها السكرُ والعربدة، والمشاحنات وعدم أداء الدين.
شخصية الديب الشعرية
من قراءة سيرة حياته نجد أنه شخصية غنية بمركبات كثيرة، منها قوة الإحساس التي كونت شاعريته في مجملها، ومنها اعتزازه الفائق بنفسه الذي أضره في مراحل حياته جميعًا فصبغ شعره بالسلبية المتمثلة إما في البكاء على النفس ومواساتها، أو في هجاء الآخرين هجاءً بلغ من قذاعته في كثير من الأحيان أن امتنع الكُتاب عن نقل هذا الهجاء في كتبهم التي تحدثت عن الديب. يظهر هذا الاعتزاز بالذات في مواضع أخرى من شعر الديب في صورة جنون العظمة عندما نراه يشبه نفسه بالأنبياء، بل هو لا يتورعُ عن سبّ الدهر في سبيل رفع قدر ذاته، ودفع تهمة الكسل والضعف عنه، ونجد هذا شائعًا في شعره.
لقد أقعده هذا الاعتزاز بنفسه من جهة أخرى عن طلب الرزق بالوسائل المشروعة لمقاومة عوَزه، والصبر على السعي وراء لقمة العيش؛ فقد كان كسولاً يكره العمل ويضيق بالنظام والرتابة، ويعشق التجوال، ولم يكن يصبر ليُتِمّ عملاً، حتى على نظم شعره. كما كان ذو طبيعة “قلقة”، حيث كان مغرمًا بالتغيير المستمر، وعدم الاستقرار في وظيفة ولا حياة.
العجيبُ أن شعرهُ يُعد -رغم كسله- موسوعة في السخط على القدر والدهر والمقسوم، وكأن هذه الأشياء هي المسئولة عن أوضاعه الحياتية السيئة التي ترك نفسه يتردّى فيها، بينما كان بيده أن يرفع من وضعه الاجتماعي والاقتصادي إلى ما يسمحُ له بالعيش في وضع أكرم من حياة التشرد والتسكع.
ولا يجدر بنا أن نغفل الإشارة إلى لحظات صدقٍ وتهذُب توافي الديب أحيانًا، وتومضُ في أشعارهِ بصيصًا من نور. ولعل أعمق هذه اللحظات ما سجلتهُ قصيدة «توبة» التي يعلن فيها توبته عن الخمر، ويحكي فيها معاناته مما جلبتهُ عليه من وبال.
إنتاجه الشعري
- ديوان عبدالحميد الديب، تحقيق ودراسة محمد رضوان، مراجعة وتقديم فاروق شوشة، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2000 .
- الأعمال الأخرى: تضمّن الديوان في طبعته المشار إليها بعض القطع النثرية التي كتبها الشاعر عامي 1940 و 1941 تحت عنوان «خواطري» – وهي تأملات ذاتية تكشف عناوينها عن محتواها: شاعر البؤس، يوم من أيام الجنة، الخمر والشعر، أنا وأمير الشعراء، أنا وزوجتي، الشعر والنظم، نقد شاعر لشاعر، السماجة والجسارة، في حضرة الخديو.
وفاته
أهدر الديب جسده وذهنه وطاقته الروحية في أوحال المخدّر وبين السجون ومستشفى الأمراض العقلية، إضافة إلى ثوابه إلى رشده بعد سطوع نور الهداية بين أرجاء نفسه، فوجد أن الشعر قد استهلكه، وصرفه عن طريق الله بما كان ينظمه فيه، وأخذ ينظم أشعارًا يتأسى فيها على ذنوبه وحياته التي ضاعت منه، ويتخيل نفسه يوم الحساب بين يدي الله. ولم يعش في هذه الحياة سوى نيف وأربعين عامًا؛ إذ لقي مصرعهُ إثر انفجار في المخ لم يمهله الا ساعات فجأة في حادث أليم لم تُفصح المصادر عن تفاصيله ولا ملابساته، وكان ذلك في إبريل 1943م.
البوم الصور
موقع اللوحة بالشارع
المصادر والمراجع
- السماح عبد الله، أفراح الذاكرة.. عبدالحمـيد الـديب شاعر تعرى واكتست الأضرحة، الأهرام، 18 أكتوبر 2019، اطلع عليه بتاريخ 3 ديسمبر 2024، رابط الإتاحة:
https://gate.ahram.org.eg/daily/News/733060.aspx - عبد الرحمن عثمان، الشاعر عبد الحميد الديب: حياته وفنه، القاهرة: دار المعارف، 1968.
- محمد رضوان، مأساة شاعر البؤس عبد الحميد الديب، القاهرة: دار الهلال، 1976.
- ناجي العتريس، لشاعر البؤس عبدالحميد الديب وجوه أخرى، الأهرام، 20 يناير 2023، اطلع عليه بتاريخ 3 ديسمبر 2024، رابط الإتاحة: https://gate.ahram.org.eg/daily/News/885265.aspx