شارع الناصر محمد بن قلاوون

الاسم

الناصر محمد سيف الدين قلاوون

اسم الشهرة

الناصر محمد بن قلاوون

مولده ونشأته
ولد “الناصر محمد سيف الدين قلاوون” بالقاهرة في عام 684هـ/ 1285م، ووالده هو السلطان المملوكي “المنصور سيف الدين قلاوون”، مؤسس دولة بني قلاوون، والناصر محمد هو الابن الثالث له. أما والدته فهي “خوند أشلون بنت الأمير نكاي نوين” أحد أعيان قبائل المغول.

وقد نشأ الناصر محمد في بيت الملك، واعتنى به أبوه فأنشأه على الأخلاق القويمة ورباه تربية سليمة، وبعدما توفي والده وهو في الخامسة من عمره قامت أمه برعايته، وكذلك أخيه وخليفته الملك “الأشرف خليل” (1290-1293م).

و شهد الناصر محمد خلال سلطنة أخيه الأشرف خليل ما كان يجوب القلعة من تنافس حامي الوطيس بين كبار الأمراء وبعض رجال الإدارة، وبين هؤلاء وبعضهم بعضًا، والتي أدت في النهاية إلى قيام الأمير “بدر الدين بيدرا”، نائب السلطنة، على تدبير مؤامرة لاغتيال الأشرف في 14 ديسمبر 1293، ومن المؤكد أن مقتل الأشرف خليل كان محطة فارقة في نفسية الصبي الناصر محمد والذي كان قد بلغ من العمر تسع سنوات.

بعد مقتل الملك الأشرف خليل بن قلاوون اعتلى بيدرا عرش السلطنة، و لم ترضي أحداث مقتل الملك الأشرف خليل أمراء القاهرة فتجمع نحو الألفي فارس و التقوا مع بيدرا في الطرانة في البحيرة، و تمكنوا من هزيمته وقتله والتمثيل بجثته.

اعتلائه عرش السلطنة للمرة الأولى
بعد مقتل بدر الدين بيدرا اتفق الأمراء على تمليك محمد بن قلاوون أخي الملك الأشرف خليل، وكان يبلغ من العمر ثماني سنين وذلك سنة 1293م ولُقب بالملك الناصر. وعين الأمير زين الدين كتبغا نائبًا للسلطنة، كما عين الأمير عَلَمُ الدِّينِ سَنْجَرُ الشُّجَاعِيُّ المَنْصُورِي وزيرًا، و أصبحوا بذلك الحكام الفعليين للدولة.

ولم تستمر فترة حكم الناصر محمد طويلًا؛ فقد خلع من قبل المتحكم الفعلي بالسلطنة ذلك الوقت كتبغا المنصوري الذي استطاع التخلص من الأمراء المنافسين له و على رأسهم علم الدين سنجر الشجاعي ثم تولى عرش السلطنة مكان الناصر محمد باسم العادل زين الدين كتبغا سنة 1294م.

العودة إلى عرش السلطنة
حكم العادل كتبغا البلاد نحو سنتين ثم اضطر عام 1296م للفرار إلى دمشق والتنحي بعدما حاول الأمراء، وعلى رأسهم نائب السلطنة حسام الدين لاجين المنصوري، قتله في دهليزه أثناء عودته إلى مصر من الشام، فنُصب لاجين سلطانًا وأبعد الناصر محمد إلى الكر.  وفي عام 1299م قُتل لاجين ونائب سلطنته منكوتمر بعد حكم دام نحو سنتين وشهرين.

بعد مصرع لاجين اجتمع الأمراء، ومعهم الأمير بيبرس الجاشنكير، واتفقوا على إعادة الناصر محمد من الكرك وتنصيبه من جديد سلطانًا على البلاد، وفي 4 جمادى الأولى 698هـ دخل الناصر القاهرة، وكان عمره حينذاك أربعة عشر عامًا، واحتشد الناس لاستقباله في فرحةٍ عارمةٍ واحتفلوا بعودته. جددت البيعة للناصر فصار سلطان البلاد للمرة الثانية ومعه الأمير سيف الدين سلار نائبًا للسلطنة، وبيبرس الجاشنكير أستادارًا.

كما حدث للناصر في سلطنته الأولى تكرر في سلطنته الثانية. أصبح دمية في أيدي سلار وبيبرس الجاشنكير اللذين صارا الحاكمين الفعليين للبلاد.

معركة وادي الخزندار
وفي سنة 699هـ/1299م وردت إلى القاهرة أنباء عن زحف مغولي على الشام يقوده محمود غازان إلخان مغول فارس فتوجه الناصر إليها، وفي 8 ربيع الأول اصطدم جيش الناصر بجيش غازان المتحالف مع مملكة أرمينيا الصغرى عند حمص في معركة عرفت باسم معركة وادي الخزندار أو معركة حمص الثالثة، انهزم جنود الناصر وفروا مما أحزنه وأبكاه. ودخل المغول دمشق وسيطروا على الشام، وعاد جنود الناصر إلى مصر ومعهم عوام من الشام في أسوأ حال.

دخل السلطان الناصر قلعة الجبل وقد أصابه حزن بالغ وتألم ألمًا شديدًا لهذه الهزيمة الشنعاء، ولكنه بدأ ينظم الجيش ويجهز لأخذ الثأر من المغول. وخرج قبجق من دمشق متوجهًا إلى مصر، فاستولى الأمير أرجواش على دمشق وأعاد الخطبة باسم الملك الناصر بعد انقطاعها مائة يوم. في أثناء فترة إعداد الجيش وصل إلى القاهرة وفد من غازان بطلب الصلح ووافق الناصر. إلا أن طلب غازان للصلح كان، كما يبدو، مجرد مناورة منه لكسب الوقت للتعرف على استعدادات وتحركات الملك الناصر.

شهدت البلاد في فترة حكم الناصر محمد الثانية اضطرابات وقلاقل كان من أخطرها “وقعة أهل الذمة”، ومشاغبات بعض العربان في البحيرة وصعيد مصر حيث حدثت موجة من الاضطهاد ضد الأقباط، وتم هدم وإغلاق العديد من الكنائس في القاهرة، وأجبر مسيحيو مصر على مسح عمامتهم باللون الأزرق ليتم تمييزهم عن بقية السكان.

وفي سنة 708هـ/ 1309م أحس الناصر أنه غير قادر على مواجهة سيطرة سلار وبيبرس الجاشنكير عليه وعلى أمور الدولة، فاخبرهما بأنه ذاهب إلى مكة للحج. ولكنه بدلاً من الذهاب إلى مكة ذهب إلى الكرك وبقي هناك، لم يقصد الناصر برحيله إلى الكرك التنازل عن العرش، لكنه كان يدرك أنه لن يتمكن من الحكم كما يحلو له مادام بيبرس وسلار يسيطران على حياته وعلى شئون الدولة. كما كان يدرك أنهما آجلاً أو عاجلاً سيسعيان للتخلص منه إما بالخلع أو بالقتل. فكانت خطته أن يبتعد عن مصر وعن عيونهما لبعض الوقت فيتمكن بذلك من الاتصال، بحرية وبدون مراقبة، بأمراء الشام ومؤيديه من أمراء مصر حتى يتمكن بمساعدتهم من التخلص منهما وفرض سيطرته على نفسه وعلى مملكته، وكانت حسبة الناصر صحيحة وتمكن من تنفيذ خطته بنجاح فيما بعد. وكانت مدة الملك الناصر في السلطنة الثانية، عشر سنين وأيامًا.

العودة للسلطنة للمرة الثالثة
لم تستقم لبيبرس الجاشنكير الذي لم يكن محبوبًا عند المصريين بسبب سوء الأحوال الاقتصادية والسياسية في البلاد، ففي عهده عم الوباء وانخفض منسوب مياه النيل وارتفعت الأسعار، فراح الناس يطالبون بعودة الناصر محمد ويهزءون من بيبرس ونائبه سلار، فقرر الملك الناصر العودة، فدخل دمشق في شهر شعبان بتأييد غالبية الأمراء وزينت الشوارع وفرح الناس بقدومه وكثر الدعاء له. وفي يوم الجمعة 12 شعبان احتشد الناس في الميدان للصلاة وخطب له. فلما وصلت الأنباء إلى القاهرة أصيب بيبرس الجاشنكير باضطراب فدخل الخزائن وأخذ ما استطاع من المال والخيل والهجن وفر مع مماليكه فلحقت بهم العامة وراحت تسبهم وتلقيهم بالحجارة إلى أن تمكنوا من الفرار. وفي صباح اليوم التالي أمر سلار حراس قلعة الجبل بالهتاف باسم الملك الناصر، وفي يوم الجمعة خطب على منابر مصر باسمه واسقط اسم الملك المظفر.

في أول أيام شهر شوال وصل الناصر إلى القاهرة وصلى صلاة العيد بالدهليز، وفي اليوم التالي جلس على تخت الملك للمرة الثالثة. في فترة حكمه الأولى كان الناصر دمية في أيدى العادل كتبغا والشجاعي وفي الفترة الثانية، مع أنه كبر وأصبحت له أعمال يعتز بها، إلا أنه عاش محجورًا عليه عن طريق بيبرس الجاشنكير وسلار اللذان كانا يمارسان السلطان الفعلي ويتحكمان في معاشه. أما هذه المرة فقد عاد إلى مصر وقد جاوز سن الطفولة وأصبح في الخامسة والعشرين، وقد صقلته الأحداث وحنكته التجارب. عاد الناصر إلي تخت السلطنة هذه المرة عازمًا على الانتقام لنفسه ممن أساءوا إليه ومصممًا على ألا يترك أحدًا يستصغره أو يتآمر عليه.

لذلك قام الناصر بالقبض على عدد من الأمراء وحبسهم بالإسكندرية، وأفرج عن بعض المساجين والأمراء، كان من ضمنهم شيخ الإسلام ابن تيمية والأقوش المنصوري قاتل سنجر الشجاعي. كما جرد عدداً من الأمراء إلى دمشق، وأمر اثنين وثلاثين من مماليكه. وقام باعدام بيبرس الجاشنكير وحبس سلار حتى وفاته بالسجن.

وخلال فترة حكم الناصر محمد الثالثة لم تشهد البلاد تهديدات خارجية وذلك بسبب ضعف الصليبيين والمغول نتيجة لهزائمهم المتكررة وخسائرهم الفادحة والتهائهم في صراعاتهم الداخلية. أما في الداخل فقد نشبت بعض الاضطرابات في الصعيد نتيجة لخروج العربان عن القانون وقطعهم الطريق امتناعهم عن دفع الخراج، ولكن أمكن السيطرة عليها بسهولة.

وعلى الرغم من انتعاش الاقتصاد المصري والرخاء الذي عم مصر إلا أنه حدثت بعض الاضطرابات المالية وارتفاع في الأسعار نتيجة لظهور عملات مغشوشة وأخرى تحت الوزن القانوني (زغل) في الأسواق، مما أدى في سنة 724 هـ/ 1323 م إلى توقف الناس عن أخذ النقود واغلاق الحوانيت. وتم التعامل بالنقود بالوزن وليس بالعدد. وقد واجه الناصر تلك المشكلة بطرح آلاف العملات في الأسواق لمحاربة العملات المغشوشة، وحددت أسعار جديدة لصرف الدينار.

كان الملك الناصر مولع بالعمارة وينفق عليها ببذخ، وفي فترة حكمه الثالثة شيد في مصر مالم يشيده أي سلطان آخر، وتحولت القرى إلى مدن منفردة. أعاد حفر خليج الإسكندرية، وأنشأ البساتين ومزارع قصب السكر على ضفتيه، وأنشأ الميدان تحت القلعة وغرس فيه النخل والأشجار، وأنشأ الميدان الكبير على نيل القاهرة وزرع فيه اشجار الفاكهة. وعمر الخانكاة بناحية سرياقوس، وحفر الخليج الناصري خارج القاهرة حتى أوصله بسرياقس وعمره بالقناطر. وشيد الجسور ومد الترع وأحيا الأراضي في كل أنحاء مصر، وجدد نحو ثلاثين جامع قديم منها الجامع الناصري بالقلعة وجامع المشهد النفيسي. وكانت أغلب عمائره من الحجارة لأنه كان يخشى عليها من الحريق. في عهد الملك الناصر بلغت دولة المماليك البحرية أوج قوتها داخلياً وذروة عظمتها دولياً، ونعمت مصر فيه بالهدوء والاستقرار.

وفاته
في يوم العيد عام 741هـ أحس الناصر بالمرض ولكنه تحامل على نفسه وخرج لصلاة العيد، ثم صلى وغادر المسجد إلى القلعة قبل أنتهاء الخطبة. وفي اليوم التالي طلب ابنه “أبا بكر” وعهد إليه السلطنة من بعده وأوصاه بالأمراء وأوصى الأمراء به، وحلف الأمراء والخاصكية. وبعد يومين، يوم الخميس 20 ذي الحجة سنة 741هـ/ 1341م، توفى الملك الناصر وهو في نحو الثامنة والخمسين بعد أن حكم البلاد ثلاث واربعون سنة وثمانية أشهر وتسعة أيام، من ضمنها نحو اثنين وثلاثين سنة في فترة ولايته الثالثة، ودفن بعد العشاء مع أبيه قلاوون في القبة المنصورية بالقاهرة وحزن الناس حزنًا كبيرًا عليه. 

البوم الصور

موقع اللوحة بالشارع

المصادر والمراجع

  • أسامة حسن، الناصر محمد بن قلاوون، القاهرة: دار الأمل، 1997.
  • قاسم عبده قاسم، عصر سلاطين المماليك: التاريخ السياسي والاجتماعي، القاهرة: دار عين للدراسات الإنسانية والاجتماعية، 2007.
  • محمد جمال الدين سرور، دولة بني قلاوون في مصر، القاهرة: دار الفكر العربي، 1947، ص31-52.
  • منال أحمد خليل أبو بكر، صورة السلطان الناصر محمد بن قلاوون في أدب العصر المملوكي الأول، ماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين، 2012.